صالة عشتار تحتفي باللوحة الأكاديمية
شهدت صالة عشتار المعرض المشترك للفنانين سائد سلوم ويوسف البوشي وعهد الناصر رجوب، الأساتذة في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق – قسم التصوير. وقد ضمّ المعرض عدداً من اللوحات متنوعة القياسات والمواضيع التي تميّز كل فنان عن الآخر، فقد استطاع عهد رجوب أن يجعل من مشاركته ما يقارب المعرض الفردي بعدد أعماله الصغيرة القوية بمضمونها وتقنيتها التصويرية، وهو الفنان الحاصل على شهادة الدكتوراه من روسيا الغنية بالمصوّرين أصحاب المساهمات الفذّة في حصيلة أعمال التصوير العالمية، ويبدو جلياً في أعمال رجوب هذا الهاجس الإبداعي المتأثر بهذا المنتج الذي يتبنّى الواقعية السحرية نهجاً يولفها رجوب بتعبيريته الخاصة، متمكناً من ثراء ذاكرته وخبرته التقنية كمصور جال بلوحته العديد من اتجاهات التصوير، وصولاً إلى خصوصية يعرف بها كفنان وأستاذ جامعي واسع التأثير بطلابه والفنانين الشباب، واستطاع من خلال هذا المعرض أن يقدّم أعمالاً متناهية في صغر مساحتها لا تتعدى السنتميترات القليلة والمكتملة بكل عناصر اللوحة، فقد رسم المنظر الطبيعي بعجينة كثيفة والبورترية والطبيعة الصامتة وبعض اللقطات التجريدية.. جملة من اللوحات موزعة ضمن “بلوكات” محدّدة جعلت من هذه الزاوية الخاصة بعهد الناصر رجوب مكاناً أخاذاً غنياً بالدهشة والجمال. وقدّم الفنان سائد سلوم عدداً من أعماله التي يغلب عليها طابع البحث اللوني ضمن عائلة من الألوان المحدّدة التي يطرب لها سلوم، ولا تتعدى فئة “الأكر والبرتقالي وبعض درجات البني”، هذه العائلة من الألوان تتصف بها معظم أعمال سلوم القديمة والجديدة، كما تتصف لوحاته بنزعات التصوير التجريدية ناقلة حواس التصوير إلى مكان الحدس العقلي بعيداً عن التشبيهية ومقاربة الشكل والواقعية، كحال أغلب المصورين الذين يعتمدون المحاكاة واستعراض مهارة نقل الصورة من حيّزها الواقعي إلى قماش اللوحة، مروراً بمخبر الفنان الخاص الذي يميّزه بخبرات نفسية جديدة. سائد سلوم فنان مثقف من طراز رفيع، قلّما نلمس هذا الوعي بالفن ودوره عند الكثير من المشتغلين في إنتاج اللوحة أو المنحوتة في محترفنا السوري الذي يعاني من التقليد والتشويش في الكثير من جوانبه الثقافية الرديفة للوحة، وربما هم قلائل أولئك الفنانين الذين يجمعون صفات البحثية والمعرفة النظرية إلى جانب المنتج المادي “اللوحة”. تكتسب لوحة سلوم خاصية البنائية القوية من حيث التكوين المتماسك الذي يعتمد التوزيع المتوازن للون، واعتماد الحركية بين عناصر اللوحة والكتل الموزعة بتوازن تشي بخفة في وزنها النوعي، ما يمنح اللوحة صفة “الثقالة الخفيفة” المشابهة لأعمال الفنان روبنز من حيث تصاعدية البناء واتجاهات المفردات نحو الأعلى انطلاقاً من إحدى زوايا القاعدة بشكل تصاعدي يغلب عليه الطابع الدرامي، هذا الفضاء الملحمي الذي تغيب عنه الصورة الواقعية وتحضر بدلالات معنوية مختلفة في توقعاتها البصرية عند المتلقي. ويذهبُ يوسف البوشي الأستاذ والمصوّر نحو تعبيرية خاصة تتضمن مواضيع محدّدة ملغزة برموز آدمية وحيوانية “الذئب”، في مقاربة لمواضيع محدّدة تفرض لغة نقدية احتجاجية واضحة دون الدخول في متاهة استعراض الرسام لأدواته، بل الذهاب مباشرة إلى الموقف الجمالي تجاه هذا النافر في حياة الآدمي المكتظة بالفجاجة، ربما لا يحتاج البوشي أكثر من ذلك في لوحته التي تتنازع ضمنها قوى خيّرة تقابل ضدها. ولا نغفل في جانب آخر مقاربته التجريدية في بعض اللوحات التي تتصف بالتجريب، في محاولة إغناء مشاركته في معرض جماعي يفرض نوعاً من إثبات الذات الفنية التي تستطيع تقديم أكثر من وجهة نظر بصرية، ومعروف عن هذا الفنان دأبه الصامت، فضلا ًعن طبيعة شخصه الدمث، ما يمنح منتجه روحاً مغايرة توحي بإمكانيات غنية ومفاجئة عنده ننتظر ولادتها، كما نأمل حضوره الدائم كفنان وأستاذ فن. هذا المعرض يكتسب صفة الأستاذية لتضمنه قيم تصوير خاصة ومتنوعة، قدمها هؤلاء الفنانون الأكاديميون، مما يجعل السؤال مشروعاً عن قيمة هذا المنتج القادم من محترفات جامعة دمشق وبعض الينابيع البعيدة في مواطن الإيفاد الجامعي.. والسؤال أيضاً عن ضرورة إشراك الفنانين الشباب مع أساتذتهم في معارض مشتركة تدعم الجهد الأكاديمي من جهة، وتعزّز من حضوره في مواجهة الكمّ الكبير من التشويش الذي يعاني منه الفن التشكيلي من جهة أخرى.